الرئيسية / بقلم الشيخ / من أدلة وجوب فريضة الوحدة

من أدلة وجوب فريضة الوحدة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، استكمالاً لحديثنا عن ضرورة الوحدة، أقول وبالله التوفيق:

نهى النبي صلى الله عليه وسلـم الرجلين والثلاثة يكونون في المسجد أو القرية والمكان ولا يصلون جماعة، قال صلى الله عليه وسلـم: (مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ)([1])، وقال صلى الله عليه وسلـم: (صلاة الجماعة تَفْضُل صلاة الْفَذْ بسبع وعشرين درجة)([2]).

وكانت ليلة القدر معلومة ولكنها رُفِعَت بسبب خلاف بعض المسلمين خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال (خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فَرُفِعَت)([3]).

ومن المعلوم قَصْرُ الصلاة الرباعية في الحج بمنى ولما اتمها الخليفة عثمان وصلاها أربعاً، تبعه في ذلك عبد الله ابن عمر خشية الوقوع في الخلاف، كما ورد في سنن أبي داوود: (صلى عثمان الظهر بمنى أربعاً، فبلغ ذلك عبد الله، فعاب عليه، ثم صلى بأصحابه في رَحْلِهِ العصرَ أربعاً. فقيل له: عِبْتَ على عثمان وصليت أربعاً؟! قال: إني أكره الخلاف).

وهذا أحد العلماء الربانيين دخل المسجد ليصلي فوجد الناس يختلفون على الأذان فأقام الصلاة وصلَّى بهم فقيل له في ذلك فقال الأذان سُنَّة واجتماع الكلمة واجب.

وحفاظاً على وحدة القلوب والمشاعر والتآلف نهى النبي صلى الله عليه وسلـم أن يتناجى اثنان دون الثالث، قال صلى الله عليه وسلـم: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ فإنَّ ذَلكَ يُحْزِنَه)([4]).

والشحناء والبغضاء من اسباب عدم قبول الصلاة واجابة الدعاء والحرمان من المغفرة والرحمة كما قال صلى الله عليه وسلـم: (تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلاَّ امْرَءاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيقُولُ : اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)([5]).

وللحفاظ على الوحدة وجمع الكلمة نجد في آداب السفر والصحبة والتعايش ما يحفظ ذلك قال صلى الله عليه وسلـم: (الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَالاِثْنَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ)([6])، أي أنَّ سفر الواحد ومعه اثنان احفظ لدينهم ودنياهم، وقال صلى الله عليه وسلـم: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ)([7])، وقال صلى الله عليه وسلـم: (إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ في سَفَرٍ فَليُؤَمِّرُوا أحَدَهُمْ)([8]).

وحتى في تناول الطعام: عن وحشي بن حرب انهم قالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تأكلون متفرقين؟ قالوا: نعم قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه)([9]).

وللحفاظ على الوحدة لا بد من الصبر على الأذى، عند الاختلاط بالناس والعيش معهم وفي ذلك دليل على قوة الإيمان، قال صلى الله عليه وسلـم: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ)([10]).

وهذا نبي الله هارون لما استخلفهُ موسى -صلوات الله عليهما- على بني اسرائيل عند ذهابه لمناجاة الله، فآذوه وعصوه، صبر عليهم، وعند عودة موسى غضب عليه ونهره، فردَّ عليه هارون بأن صبره على أذاهم كان سبباً في الحفاظ على وحدتهم وعدم تَفَرُّقِهِم، وسبباً في عودتهم إلى توحيد ربهم، كما قال سبحانه: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴿٩٢﴾ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴿٩٣﴾ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴿٩٤﴾) [طه:٩٢ – ٩٤].

وحفاظاً على الاخوة الإيمانية وصلاح أحوال أمة التوحيد في الدنيا ونجاتها في الآخرة قال صلى الله عليه وسلـم: (مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤمِنين وَلِلْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَة)[11]).

وأخيراً نقول للذي يدعو لِلْفُرْقَة والانفصال ويعبِّر عن سخطه على الدولة أو المجتمع أو السلطات برفع شعار الانفصال أو قطع الطريق أو التخريب أو النهب أو الإعتداء على المواطنين… كيف تنكر المنكر من غيرك وتفعله أنت.

وبعضهم ينتقم من غير الغريم، فيشكو من القاضي والمسئول ويؤذي المساكين، وينهبُ الضعفاء ويعتدي على المسالمين، وعليه يَنطَبِقُ قول الله سبحانه: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [النساء: ١١٢].

والعجيب أن ترى الغالبية من الناس إن لم نقل جميعهم يتسخطون ويتباكون من سوء الأحوال والأوضاع وكل واحد منهم يرد اللوم على غيره وينسى نفسه، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟)، وذلك لما سُرِقَ مصحفٌ له، فوعظ الناس حتى أبكاهم جميعاً.

واختم حديثي بهذه اللفتة القرآنية إن نعيم الجنة لا يتم ولا يكتمل إلا بسلامة الصدر والتطهر من الْغِلِّ كما قال الله عز وجل: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

والحمد لله رب العالمين،،،


 

([1]) أحمد عن أبي الدرداء، وحسن في صحيح الجامع رقم (5701).

([2]) البخاري ومسلم عن ابن عمر(619)

([3]) البخاري عن عبادة بن الصامت (1919).

([4]) البخاري ومسلم رقم: (4054)، عن ابن مسعود.

([5]) مسلم عن ابي هريرة (6203).

([6]) الحاكم عن أبي هريرة وهو في صحيح الجامع رقم (7144).

([7]) أحمد والترمذي والحاكم، عن عمر وهو في صحيح الجامع رقم (2546).

([8]) أبو داود عن أبي سعيد، وهو في الصحيحة (1322).

([9]) ابن ماجه، وفي صحيح ابي داوود، وهو في الصحيحة للألباني.

([10]) أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو في صحيح الجامع (6651) عن ابن عمر.

([11]) الطبراني، عن عبادة ابن الصامت، وهو حسن في صحيح الجامع (6026).

شاهد أيضاً

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *