الرئيسية / بقلم الشيخ / الغاية… وأهميتها

الغاية… وأهميتها

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، وعلى آله وصحبه، ثم أما بعد:

تُعْرَف أهمية الغاية، من خلال مضمونها، حيث أنها تُـمَـثِّل جواباً على استفسارات وأسئلة ثلاثة هي في غاية الأهمية:

 أ)   من أين؟  وإلى أين ؟ ولماذا؟

لأن من لم يعرف غايته لا يعرف نفسه، ولا حقيقته وقيمته، ولا يعرف موقعه من الحياة، يدخل إلى الدنيا أعمى، ويخرج منها أعمى. قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:19] ، وقال سبحانه فيهم: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)  [التوبة:67] ، وقال سبحانه: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء:72]. وكما قال عُبَيْد بن حَسَنَة: (الضَّلال الحقيقي: غِيَابُ الهدف)، قال الله عز وجل: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2].

وإذا جهل الإنسان غايته وهدفه، وافتقد الإيمان، صار كما نَعَتَهُ القرآن، بكل صفات الذَّمِّ والتحقير، وإليك بعضها:

مذموماً مدحوراً: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) [الإسراء:18]. وظلوماً جهولا: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب:72].  وكنودا: (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات:6]. وهلوعاً جزوعاً منوعاً: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) [المعارج:19: 21]. وفاجراً كفوراً: (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34] : (بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) [القيامة:5]: (قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17]. وخصيماً مجادلاً: (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [النحل:4] : (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف:54].

بل إن الله تعالى وصف من لم يعرف غايته، بأنه شر الدَّوَاب على الإطلاق، بل أحقر من الدُّوْد الْـمُتَوَلِّد في مخلفات الإنسان والدواب. قال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [الأنفال:22] وقال سبحانه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179] ،  وقال عز وجل: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة:171].

والغاية: حقيقتها وتحديدها من المواضيع الذي خاض فيها كبار الفلاسفة والجاحدون من الزنادقة، وخبطوا فيها خبط عَشْوَاء، حتى أن بعضهم وصل إلى مُنْتَهَى الْـحَيْـرَة والإضطراب. فهذا أحد الفلاسفة يقول: أفنيت عمري وأنا أفكر لِأَيِّ شيء أعيش  حتى ضاق به الحال، فخرج ذات يوم من بيته، ورأى عاملاً يُكَسِّر أحجاراً فسأله: لـِمَ تُكَسِّر الأحجار؟ فقال: لأكسب المال. فسأله: وَلِـمَ تكسب المال؟  قال: لكي آكل أنا وأولادي. فسأله: ولم تأكل أنت وأولادك؟ قال: لكي أعيش. فسأله: ولم تعيش؟  فقال: لأكسر الأحجار. فأعاد السؤال:  ولم تكسر الأحجار؟ … فأعاد الإجابات نفسها…  دَوَّامَة عمياء. فليس الأكل والشرب غاية.

وَمَرَّ أحد الفلاسفة على رجل يقود الثور، لينزع به الماء من البئر.  فسأله: لماذا تقود الثور؟ قال: لأنزع به الماء. فسأله: ولماذا؟ قال: لأسقى الْقَضْبَ والْعَلَف. فسأله: ولماذا؟ قال: ليأكله الثور. فسأله: لماذا؟ قال: لأنزع به الماء … وهكذا دَوَّامَةٌ عمياء، أيضاً.

وهذا أحد الملاحدة احتار وَضَلَّ في معرفة سر وجوده والغاية من خلقه، وقد عَبَّـرَ عن هذه الحالة المظلمة بقوله:

جئت لا أعرف من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قُدَّامِي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت كيف أبصــرت طريقي

لست أدري ولماذا لست أدري ؟ لست أدري…

عبارات كلها تنضح بالحيرة والتَخَبُّطِ والضلال، ولذلك فلا عجب أن يصل الأمر بهذا وأمثاله من الحائرين التَّائهين، إلى التخلص من واقع حياتهم بالإنتحار. وبناءً على هذا فلو سألنا نماذج من الناس عن غايتهم من وظائفهم وأعمالهم وآمالهم وطموحاتهم؟ هل هي الغاية التي خلقهم الله لها، أم أن لهم غايات أخرى مخالفة لها أو بعيدة عنها ؟!

فمثلاً: لو سألنا الطالب: لماذا تدرس، وما الغاية من دراستك؟ لأجاب: لأحصل على  الشهادة. ولماذا تحصل على الشهادة؟ من أجل الوظيفة. ولماذا الوظيفة؟ لأحصل على مرتب. ولماذا المرتب؟ لأعيش ولأوفر من المرتبات، وأجمع من المال أقصى ما أستطيع، وأَتَرَقَّى في درجات الوظيفة… ولماذا كُلُّ هذا؟! سنجد أنه يدور في نفس الدَّوَّامَة. وسيجعل حُبَّه وبُغْضَه، وسروره وَحُزْنَه، وولاءه وعداءه، مبنياً على هذه الهموم والآمال، التي ليست لها غاية تنتهي إليها. وسيبقى هذا الـهَمُّ والأمر، يسوقه حتى يعجز عنه، أو يُفَاجأ بالمغادرة والرحيل من الدنيا  – بالموت- .

وهكذا لو سألنا المهندس أيضاً، وهو في طريق التخصص. لماذا تتعلم الهندسة، وما الغاية منها، وما الهدف؟ لأجاب: أريد حِرْفَةً ووظيفة ذات عائد، ومردود مادي كبير. ولماذا؟ لأشتهر في الهندسة. لماذا ؟ لأجمع المال وأشتهر أكثر.  لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟… سيتكرر الجواب: دَوَّامَة ليس لها غاية.  ولو سألنا الطبيب… ولو سألنا الفلاح… ولو سألنا التاجر… وكذا الجندي… وكذا الصانع… والبَـنَّاء و الرسام… الخ، سيتكرر نفس الجواب: دَوَّامة عند الجميع ليس لها نهاية. وغالباً ما تكون الدوافع عند كثير من هؤلاء، هي الغرائز وشهوات النفس، وَحُبُّ المال والتَّسَلُط، والرغبة في التوسع في الملذات، والتنافس و السباق في الماديات، وليست دوافع الغاية التي لأجلها خلقهم الله سبحانه.

فالناس تختلف غاياتهم باختلاف تصوراتهم وعقائدهم، فمنهم من غايته تُـحَلِّق حـول الجنـة والعـرش، وآخر غايته تَـحُـوْمُ حول النَّتـَن والْـحَشّ، ومِنْ هنا كان لزاماً علينا، أن نُـبَـيِّن الغاية التي لأجلها خُلِقْنَا. والذي يحدد النهاية لكل غاية، هي المفاهيم والتصورات الإعتقادية التي لدى كل إنسان، والتي تحكم نظرته إلى الناس، والحياة والكون، وعلاقة كل ذلك بالخالق سبحانه.

ولأهمية الغاية نجد أن الله سبحانه يُنْكِر على من ضَلَّ هدفه وجهل غايته، فيقول : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115] ، وقال سبحانه: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة:36]،  وقال سبحانه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) [الأنبياء:16]، وقال سبحانه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ) [ص:27]. وبالمقابل فإن الله تعالى مدح وأثنى على الذين جَدُّوا واجتهدوا في استخدام عقولهم لمعرفه غايتهم. فقال سبحانه: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190،191]. ولله تعالى الفضل والمنة في هدايته لخلقه، لذلك أمرنا أن نسبح بحمده على ذلك فقال سبحانه: (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى:1: 3].

وقال سبحانه فيما حكاه عن موسى عليه الصلاة والسلام في رده على فرعون: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)) [طه:49، 50]. والله سبحانه لم يترك الإنسان بغير هداية، بل هداه لوظيفته وغايته، وَيَسَّرَه لذلك، وهو العليم الخبير بخلقه، ولذلك فإن أول ما أنزل من كتابه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1 ] ، وقال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد:8 :10].

ب) للإنسان نظامان: عام وخاص.

وقد جعل الله للإنسان نظامين: عام بنظام الكون، وخاص بحق الإختيار، فهو مرتبط بالكون كله في النظام الإلهي العام، قال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) [الشمس: 1: 6]، فالإنسان مرتبط بهذه الآيات الكونية كلها، وهذا في النظام العام. وَمَيَّزَه بنظام خاص، وهو حق الاختيار، وذلك في الآيات التي بعدها: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:7: 10]. ومثل ذلك في النظام العام، قوله سبحانه: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل:1: 4]. وكذلك في النظام الخاص، وهو حق الاختيار، قال في الآيات التي تليها: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل 5: 9].

و الكون كله خاضع لله مستسلم ساجد له، بما في ذلك الإنسان بنظامه العام، فتدبر هذه الآية، قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) [الحج :18]. وَمَنْ مَعَ هَذا التَّـيَّار الساجد: (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) أي الذين انضموا مع الكائنات الساجدة في النظام العام والخاص، يسجدون لله سبحانه، مختارين منقادين، بما خصهم به بنظام التخيير، ثم قال سبحانه: (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) أي الذين تمردوا على الله عز وجل، وخالفوا شريعة الله باختيارهم طريق الضلال، فَحُرِمُوا التكريم، ووقعوا في الهوان، ونالوا الحرمان كما قال سبحانه في آخر الآية: (وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج:18]. وقال صلوات الله عليه وسلامه:(ماَ تَسْتَقِلُّ[1]) الشمس فيبقى شيء من خلق الله، إلا سَبَّحَ الله بحمده، إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم )([2]).

ج) المميزات التي خص الله بها الإنسان.

والله تعالى خَصَّ هذا الإنسان، وأَعَدَّه إعداداً يتناسب مع غايته، فخصه بمميزات. خلقه في أحسن تقويم، علمه النطق والبيان، أكرمه بالعلم والكتابة وأعطاه أدوات التعلم، وكرمه وخصه بطيب الرزق، وسخر له ما في السموات والأرض، ومنحه الحرية وحق الإختيار. وإليك بيان وتفصيل ذلك:

1)   خَلَقَهُ في أحسن تقويم: فلم يجعله مُنْحَنِي الظَّهْر، أو يمشى على أربع، بل جعله مستقيماً، يمشي على رجلين، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4 ] وخاطبه بقوله: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 7، 8 ]، وقال فيه: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة:9].

2)  عَلَّمَه النُّطْق والبيان وأكرمه بالعلم والكتابة: والدواب كلها لا تنطق ولا تُبِيْن بخلاف الإنسان الذي قال الله تعالى عنه: (خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:3 ،4] وقال تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) [العلق:3 ،5].

3)     كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ وَخَصَّهُ بطيب الرزق: فجعله محمولاً وراكباً لا حاملاً لغيره، وخصه بالطيبات من الرزق، فهو يأكل اللُّبْ، والْقِشَر للدواب، ويأكل الحبوب، والتِّبْن والقَصَب للدواب، تأمل قول الله سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70].

4)     سخر له ما في السموات والأرض، وأسبغ عليه النعم:  قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20] : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)  [البقرة:29 ]: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:32: 34].

5)   مَنَحَهُ الحرية وحق الإختيار: فقال سبحانه: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد:10]، وقال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس:7، 8]، وقال سبحانه: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان:3]. وجعل مُدَّةَ إعداده قبل تكليفه بخمسة عشر  (15) عاماً، ثم بعد ذلك كَلَّفَه وأجرى عليه القلم، بخلاف سائر الدواب، فأطول مدة لإعدادها وتربيتها لتؤدي وظائفها لا تزيد عن سنتين، وليس عليها ثواب ولا عقاب لأنه لا اختيار لها. وهذا بعض ما خص الله به الإنسان . وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا كل هذا الإعداد والتمييز والتخصيص؟ وهل له من مقابل؟ وما الذي يقابله؟ الجواب نعم ولا بد له من مقابل، وبقدر ما تُعْطَى تُطالب. وهذا ما سيأتيك بيانه عند حديثنا عنه لاحقاً.

وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

————————————————————————————-

[1] أي:  ترتفع وتعلوا.

2] ابن السني، والحلية لأبي نعيم عن عمر ابن عبسه رضي الله عنه، وهو في الصحيحة للألباني.

شاهد أيضاً

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *