الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
إخواني: إن من الشبهات التي يتحجج بها البعض مقولة: “إحنا مقلدين وإلى ذمتهم، وأي خطأ يقع فهو في ذمة العلماء والمسئولين”.
وهذا ما يقوله البعض، فتراه إذا سمع الحديث عن الفساد و التحذير من المفسدين، يُلقي اللوم على الآخرين، ويقول: هذا كله على العلماء و المسئولين، ويخرج نفسه من المسئولية، وكأن محاربة الفساد لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، وينسى أن التَّبِعة والمسئولية تشمل الجميع، بل كل فرد بدون استثناء كما قال سبحانه: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)) [سورة: الحجر الآية: 92،93]، وكما قال سبحانه: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)) [سورة: الأعراف الآية: 6].
والله تبارك وتعالى جعلنا نحن المسلمين شهداء على غيرنا من الناس، كما قال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[سورة: البقرة الآية: 143].
وأن من أسباب لعنة الله لبني إسرائيل هو عدم تناهيهم عن المنكر وتركهم للأمر بالمعروف كما قال صلى الله عليه وسلـم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و شريبـه وقعيـده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) [سورة: المائدة الآية: 78 :79] ثم قال: كلا والله لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَـْنهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، وَلَتأْطُرُنَّهُ على الحق أَطْراً وَلَتَقْصُرُنَّهُ على الحق قصرا)[1].
والنبي صلى الله عليه وسلـم، قد ضرب مثلاً شَمَلَ الأمة حكاماً ومحكومين، صالحين وفاسدين فقال: (مَثَلُ القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة، بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَنْ فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً لم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونجوا جميعاً)[2].
وللأسف الشديد أن بعض الناس إذا وقع في فعل شيء من الإثم والفساد، فَعَاَتْبَتهُ ونَاَصَحْتَهُ، تراه يتذرع بما يفعله علماء السوء وحكام الجور، ويقول: لست وحدي الذي أفعل هذا، بل من العلماء و المسئولين من يفعله وهم قدوتنا.
ونقول لمثل هذا: لا تنسَ يا أخي أن هؤلاء ليسوا بِحُجَّة ولا أُسْوَة معصومة، وإنما أسوتنا وقدوتنا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلـم، الذي اصطفاه الله فقال لنـا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[سورة: الأحزاب الآية: 21] وقال: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [سورة: الحشر الآية: 7]، وجعل الهداية في اتباعه فقال: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [سورة: النور 54].
أما القدوة السيئة من الكبراء والعلماء، فسيتبرؤن ممن اتبعهم، وسيتبرأ تابعوهم منهم، كما قال الله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ)[سورة: البقرة الآية: 166].
وسيدعو عليهم ويلعنهم مَنِ اتَّبَعَهُم وقلدهم: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)) [سورة: الأحزاب الآية: 67،68].
وتأمل هذا الحديث النبوي، الذي يوجه المسلم إلى التوازن في عقيدته وعبادته وسائر حياته، قال صلى الله عليه وسلـم : (لا تكونوا إِمَّعَةَ، تقولون: إن أَحْسَنَ الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّـنُوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحُسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)[3].
والله تعالى يقرر، أن المسئولية على كل فرد بعينه، فيقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا)[سورة: فصلت الآية: 46].
فيا أخي المسلم: لن يشفع لك تقليدك الأعمى للظالمين اَيَّـاً كانوا، قال الله تعالى: (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ) [سورة: الدخان الآية: 41].