الرئيسية / بقلم الشيخ / رمضان… شهر التوبة والتغيير والتطهير (خواطر2)

رمضان… شهر التوبة والتغيير والتطهير (خواطر2)

مرحباً بالمُطَهِّر:

التوبة جعلها طريقاً لمحبته سبحانه، فبعد أن كان العبد العاصي المعرض عن الله الغافل عن ذكره مبغوضاً يصير محبوباً، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة: ٢٢٢. فرمضان شهر التوبة والتطهير.

و قال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28)) النساء: ٢٦ – ٢٨.

  • وكل شيء تخافه تفر منه إلا الله سبحانه، قال –صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)(1).

وقال قال –صلى الله عليه وسلم-: (… لا ملجأ منك إلا إليك)(2).

والتوبة مشروعة ومطلوبة من كل مؤمن، قال سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)) النور: ٣١.

ومن لم يستغل الفرصة للتوبة فهو ظالم: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)الحجرات: ١١.

فالتوبة قبل الرحيل، وقبل الطلب للمسائلة والمحاسبة والجزاء، قال سبحانه: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)) المؤمنون: 99 – ١٠٠.

إذاً فالفرصة في الفرار إلى الله سبحانه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50))  الذاريات: ٥٠.

  • وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستغفر الله ويتوب إليه في كل يوم مئة مرة.
  • وعلمنا أن نقول قبل التسليم –أي في الصلاة والطاعة والعبادة-: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني… أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير)(3).

وهذا دعاء علمه –صلى الله عليه وسلم-  لأبي بكر يدعو به في صلاته، ونحن كذلك ندعو به ويستحب أن يكون قبل التسليم، قال –صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)(4).

وفي السجود، قال –صلى الله عليه وسلم-: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه، وجله، وأوله وآخره وعلانيته وسره)(5).

وبين السجدتين: ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي. وبعد التسليم: استغفر الله، استغفر الله.

ومن أواخر ما نزل سورة النصر والتي في آخرها (…فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) النصر: ٣.

  • ومهما كان الوضع لدى الغافل والعاصي سيئاً… فالباب مفتوح، قال سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)) الزمر: 53،  تأمل لم يقل قطعوا الصلاة أو زنوا أو سكروا… وإنما قال:   (أَسْرَفُوا) فعلوا كل معصية وارتكبوا كل جريمة، قال سبحانه: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)) الزمر: ٥٤.

وقال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)) طه: ٨٢.

وفي الحديث، قال –صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)(6).

وسَمَّى سورة بـ “غافر” (حم… غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) غافر: ٢ – ٣.

  • وليس للإنسان قطع غيار، وما مضى لن يعود، ولن يعود أحد إلى بطن أمه، أو يعود من قبره، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)) يس: ٥٠.
  • وقد يبتليك الله سبحانه بعد التوبة بفقر أو مرض أو نقص في الأولاد… ليصقل معدنك ويختبر صدق إيمانك، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)) محمد: ٣١، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)) الملك: ٢.
  • فهي فرصة ما دام القلب ينبض واللسان رطب يتحرك والجوارح والبدن والرجلان تعمل.
  • ولا يتباطأ عن التوبة ويغفل عنها إلا مغفل عدو لنفسه، قال سبحانه: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18)) النساء: ١٧ – ١٨.
  • والتوبة لها عند الصادقين لذة ومتعة وحلاوة، ويشعر التائب أن كل ما كان عليه من المعاصي بغيض وأنه كان جاهل وأحمق…، ويرى بعد التوبة المال الحرام والفواحش… معاصي وسيئات يجب الابتعاد عنها، قال سبحانه: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ (7)) الحجرات: ٧.
  • حتى أن بعض التائبين يسخر ويضحك من ماضيه السيئ ولسان حاله يقول: أين كان عقلي؟ كنت مجنوناً أو أحمقاً… قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ… (2)) الجمعة: ٢.
  • ألا ترى الطفل عند الفطام يظنه قطعاً لحياته ورزقه…، وبعد الفطام بفترة يرفض العودة إلى الرضاع، لأنه رأى ما هو أنفع وألذ.
  • تأملوا الذين يشربون الدخان، كم يجد الراحة والحلاوة في تركه، وكم يحمد الله على نجاته من تركه له، مع أنه كان يجادل ويشمئز من الناصح… مع أننا لم نر أحداً يسم الله عند شربها، أو يحمد الله بعد الانتهاء، ولا يضعها في مكان شريف وإنما تحت جزمته، أو في المرحاض…
  • والتوبة ليست صعبة على العاقل السوي، والمطلوب المبادرة والصبر وسيجد التائب لها حلاوة، والصعب يصير سهلاً ويسيراً، قال سبحانه: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)) الليل: ٧، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) العنكبوت: ٦٩، وإنه ليسير على من يسره الله عليه…
  • وأعظم كبيرة هي اليأس والقنوط… وقد سأل أحد العلماء جمهوره عن أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى؟ فقال: اليأس من روح الله. قال سبحانه: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (87)) يوسف: ٨٧. و قال سبحانه: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) الحجر: ٥٦.

موانع التوبة:-

  1. الكبر والجهل والسخرية، قال سبحانه: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57)) الزمر: ٥٦ – ٥7.

و قال سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)) البقرة: ٢٠٦.

بل إن البعض يخشى أن يُقال له: (قدك مطوع، فقيه، ضحكوا عليك…).

ومن صور الكبر أن يقول أحدهم لمن يدعوه للشراب المسكر، أنا لا أشربه لأنه حرام لكن لا يناسبني، أو نصحوني الأطباء… ومثل ذلك…

  1. الإدمان على المعصية، مثل: المال الحرام كأكل الربا، والرشوة والسرقة، وشرب المسكرات، والزنى… ويظن أن في التوبة منها الفقر والتعب والحرمان…
  2. صحبة السوء وجلساء السوء، ماذا أقول لهم وخاصة إذا كانوا من علية القوم، وربما يتهمونني بالتزمت… وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)) النساء: ٢٧، وإذا مال إليهم وتابعهم وأحجم عن التوبة فليذكر نفسه بقول الله سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)) الفرقان: ٢٧ – ٢٩.
  3. التسويف، فتراه يقول: أنا شاب وسأتوب عندما أكبر وبعد أن أحج… واعلم أنه لا يعمر من الناس إلا القليل، وأكثر الناس يموتون شباباً .
  4. الاحتجاج بقوله: ما أذن الله لي بالتوبة، وقد حاولت، فهل تنتظر حتى ينزل ملك من السماء يجبرك على التوبة أو ينزل بك ملك الموت فيدخلك إلى المقبرة.

قال –صلى الله عليه وسلم-: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)(7).

–   ومن المعينات للثبات على التوبة: الصلاة والتلاوة والذكر وصحبة الصالحين، قال سبحانه: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَّبَّهُم…) الكهف: ٢٧.

–       فالصادق الراغب في التوبة يعينه الله ويوفقه للتوبة، قال سبحانه: (…ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) التوبة: ١١٨.

–       ومن علامات القبول: الإنشراح والحلاوة التي يجدها التائب.

 وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،، والحمد لله ربِّ العالمين،،،

—————————————————————————————————-

 (1) مسلم: عن عائشة.

(2) صحيح ابن حبان: عن البراء، قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.

(3) مسلم: عن أبي موسى الأشعري.

(4) البخاري: عن أبي بكر الصديق.

(5) مسلم: عن أبي هريرة.

(6) مسلم: عن أبي موسى.

 (7) الحاكم والبيهقي: عن ابن عباس، وهو في صحيح الجامع.

شاهد أيضاً

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *