الرئيسية / بقلم الشيخ / إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

من الشُّبَه ما يظنه البعض مِنْ:

أنَّ الاستقامة على الدين تعني أن يطلق الدنيا، ويترك زينتها، وينقطع لِلتَّنَسُّكِ والعبادة.

حتى إن بعضهم إذا رأى أحداً من الناس اِستقام على طاعة الله وتاب وأناب إلى الله، واكتفى بالمباحات، وَمَنَعَ نفسه ونهاها عن المحرمات قال: لا تُضَيِّقْ على نفسك، ولا تحرمها اللذة والراحة، وإذا كنت عازماً على التَّدَيُّن والاستقامة والعمل للآخرة، فاترك أعمال الدنيا كلها وازهد فيها ولا تنافس عليها، وانقطع للعبادة.

ونقول لمن يعتقد هذا: اعلم أن كل هذه العبارات أوهام وتخويفات شيطانية، يرددها من يريد أَنْ يَـحُوْلَ بين الناس وبين التوبة، وَيُكَرِّهُ إليهم الاستقامة، وَيحْرِمُهُمْ من حلاوة ذكر الله ومناجاته، ويصدهم عن سبيل الله الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة.

ولو تدبروا في كتاب الله لوجدوا فيه ما يُبْطِلُ ويستأصل كل هذه المغالطات الشيطانية، فالله تبارك وتعالى جعل خيرات الدنيا وطيباتها وزينتها للمؤمن، واشترط عليه أن يأخذها ويتصرف فيها باسمه سبحانه.

بمعنى أن لا يستعملها إلا فيما ينفعه وينفع العباد مِنْ حوله، ويجعل كل ذلك عبادة لله، و ابتغاء وجهه جل جلاله، وهذا المعنى تجده في قول الله عز وجل: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) لِمَنْ أخرجتها وأنعمت بها: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وإذا شاركهم فيها ونافسهم عليها الكفار والمنافقون في الدنيا، فهي في الآخرة للمؤمنين وحدهم (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [سورة: الأعراف الآية: 32].

والله تعالى أمر المؤمنين أن يجمعوا بين طيبات الأرزاق وبين طيبات الأعمال، قال سبحانه: (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [سورة: المؤمنون الآية:51]، وقال جل ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [سورة: البقرة الآية: 172]، وقال سبحانه: (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[سورة: سبأ الآية: 15]، فعلى هذا الأساس، تكون حياةُ المسلم كلها عبادةً لله، وتمهيداً بين يدي النعيم الذي أعده الله له في الآخرة.

وما يتمتع به المسلم من نعم الله المختلفة، حتى الترفيهية منها له من الله أجر وثواب على الاستمتاع بها، مادام منضبطاً فيها بشرع الله.

كما قال صلى الله عـليه وسلم: (إن الله ليرضَى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)[1].

وقال صلى الله عـليه وسلم:(المؤمن يُؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه-وفي رواية-يرفعها إلى في امرأته)[2]، وقال صلى الله عـليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)[3]، وقال صلى الله عـليه وسلم: ( إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في البناء)[4].

والحمد لله رب العالمين،،،


[1] أحمد ومسلم والترمذي عن أنس رضي الله عنه.

[2] أحمد عن عمر بن سعد رضي الله عنه عن أبيه.

[3] مسلم وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه.

[4] ابن ماجه عن خباب رضي الله عنه، وهو في صحيح الجامع.

شاهد أيضاً

نحن مُقَلِّدون وإلى ذِمَّتِهْم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: إخواني: إن من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *