الرئيسية / بقلم الشيخ / الناس في توارث السلوكيات والأخلاق

الناس في توارث السلوكيات والأخلاق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحيه وسلم:-

فإن الناس في توارث السلوكيات والأخلاق أصناف:

منهم الصالح الذي يأتي من ذريته الصالح والفاسد، كابني آدم عليه السلام، هابيل وقابيل.

 ومنهم السيئ الذي يأتي من بعده خَلَفٌ صالح، كَآَزَرَ صانع الأصنام، خَلَفَه خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

ومنهم الصالح يأتي من بعده خَلْفٌ سيء، كنوح صلوات الله عليه، وابنه كنعان الكافر.

ومنهم الصالح يخلفه صالح مثله، كداود وابنه سليمان صلوات الله عليهما.

ومنهم السيء يخلفه سيءٌ مثله، جيلاً بعد جيل، كالكفار من قوم نوحٍ عليه الصلاة والسلام.

وهكذا يتبين لك -أخي القارئ الكريم- أن الصفات الطيبة والحسنة ومقامات الفضل، أو الصفات السيئة والقبيحة؛ ليست مسألةً وراثية، أو متعلقةً بالنسب أو السلالة والطين.

فقد جعل الله لكل ذلك أسباباً وعوامل ومؤثرات، منها ما هو ظاهر، ذَكَرَه القرآن الكريم، ومنها ما اختص الله بعلمه على مقتضى حكمته.

ومما ذكره القرآن الكريم:

الْخَلَفَ الصالح لِلسَّلَفِ الصالح؛ مثل يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام، الذي ورث عن أبيه النبوة، بسبب دعاء أبيه في قوله تعالى: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)) [مريم:5، 6].

وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)) [آل عمران:33-34].

وعكس ذلك ما ورد في قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم:59].

وكذلك قوله تعالى في قوم نوح: (وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) [نوح:27].

وعلى ضوء ما سبق؛ من المفاهيم والقواعد والموازين القرآنية والنبوية؛ نفهم جميع النصوص التي وردت حول معادن الناس ومكانتهم في الجاهلية والإسلام.

فمدار المدح والتفضيل في تلك النصوص هي الصفات والمناقب، وليس الأنساب والسلالات، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)(1).

فتأمل قوله: (خِيَارُهُم) وقوله: (إذا فَقُهُوا).

فبعض القبائل والعشائر والأشخاص، اشتهرت بمكارم الأخلاق، كالمروءة والشهامة والشجاعة والكرم، وغير ذلك من الأخلاق والصفات الحميدة.

وهذا لا يختص بجيلٍ معينٍ أو أمةٍ بعينها، بل يشمل كل الأمم والشعوب عبر الأزمان، ولذلك نجد أن الله عز وجل اختار الأنبياء من خيرة أقوامهم ومجتمعاتهم، ومنهم سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي اختاره الله من خيرة العشائر والقبائل والأقوام، لِمَا اشتهروا به من مكارم الأخلاق.

فقد اختاره الله من العرب لأنهم كانوا -رغم جاهليتهم ووثنيتهم- أقرب الناس إلى الفطرة السليمة، والصفات الحميدة، كالحمية والغيرة والنجدة والوفاء والمحافظة على الأنساب، ومن أشهر قبائل العرب في هذا قريش، ومن قريش بنو هاشم، الذين اختار الله منهم نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في الحديث: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)(2).

وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت من خير قرون بني آدم، قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه)(3).

وعلى ضوء الموازين والمقاييس الربانية في أساس التفاضل بين الناس -الإيمان والتقوى- نفهم بقية الأحاديث الواردة في هذا السِّياق، ومنها قوله صلوات الله عليه وسلامه: (تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم، فانكحوا الأكْفَاء وأنكحوا إليهم)(4).

ويؤكد هذا المعنى للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودينه فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض)(5).

 

(1) مسلم.

(2) مسلم والترمذي، عن واثلة رضي الله عنه.

(3) البخاري، والبيهقي “دلائل النبوة”.

(4) صحيح الجامع.

(5) الترمذي، وابن ماجة، والحاكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيح الجامع.

 

شاهد أيضاً

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *