الإنسان مخلوق مُكَرَّمٌ بإنسانيته، وبما منحه الله من مميزات فَضَّلَهُ بها على كثير من المخلوقات، قال تعـالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70].
- فطرة الله أصل المعدن الإنساني الطيِّب:
وقد خلق الله الناس على الفطرة؛ قال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم:30]. وهذه الفطرة هي العهد الذي قطعناه نحن البشر جميعاً على أنفسنا، ونحن في عالم الذرء في صلب أبينا آدم عليه الصلاة والسلام؛ قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف:172].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم… الحديث)(1)، وسيأتي تمامه. وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تَنْتُجُ(2) البهيمة بهيمةً جمعاء، فهل تَحُسُّونَ فيها من جَدْعَاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟!)(3)، ثم قرأ: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم:30]. وجمعـاء: تعني كاملة الخلق والأوصاف، والجدع: هو القطع والتشويه.
- خَيْرِيَّةُ الإنسان مرهونة بالإيمان والعمل الصالح:
ولم يَرِد ذكر الإنسان في القرآن الكريم بمدح أو ثناء، أو وعدٍ بفلاحٍ أو بشارةٍ بفوزٍ في الدنيا والآخرة، إلا مقروناً بوصف الإيمان والعمل الصالح, قال تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) [سورة العصر].
وقال تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22)) [المعارج:19-22]. وهذا يعني أن المقياس لنوعية معادن الناس، واختلافها وتفاوتها في الجودة والرداءة، والنفاسة والْخِسَّة؛ هو المعتقد والتوجه والسلوك، وليس المقياس المادي.
- التَّسَاوِي في أصل الْخِلْقَة، والتَّفَاوُت على أساس الأعمال:
فالناس جميعاً -كما أسلفنا في مدخل الكتاب- أصلهم المادي واحد هو: (الطين)، ونسلهم جميعاً من: (ماء مهين)، أبوهم آدم وأمهم حواء، وفي الحديث: (يا معشر قريش؛ إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتَعَظُّمَهَا بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب)(4). ولذلك: تميزت معادن الناس، وتفاوتت على أساس المعتقدات والأعمال، وتأكيداً على ذلك، نعيد ذكر هذه الأمثلة والشواهد من أصحاب المعادن الطيبة، وأصحاب المعادن الخبيثة:
م | الطَّـيِّب | الخبيث |
1 | اِبْنَي آدم عليه الصلاة والسلام: هابيل | وقابيل |
2 | نوح عليه الصلاة والسلام | وابنه: كنعان |
3 | إبراهيم عليه الصلاة والسلام | وأبوه: آزر |
4 | لوط عليه الصلاة والسلام | وزوجته |
5 | آسية بنت مزاحم رضي الله عنها | وزوجها الطاغية: فرعون. |
6 | عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه | وأبوه: أبو جهل عمرو بن هشام |
7 | خالد بن الوليد رضي الله عنه | وأبوه: الوليد بن المغيرة |
8 | صفوان بن أمية رضي الله عنه | وأبوه: أمية بن خلف |
9 | عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ رضي الله عنه | وأبوه: عبد الله بن أُبَيِّ بن سلول |
10 | سيد الطيبين محمد صلى الله عليه وسلم | وعمه الهالك: أبو لهب |
والأمثلة في هذا أكثر من أن تُحْصَى.
—————————————————————————–