الرئيسية / بقلم الشيخ / شُـبُـهَـات

شُـبُـهَـات

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلوات الله و سلامه على رسوله محمد البشير النذير، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمن هديت، و أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واهدنا لما أختُلِف فيه من الحق بأذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

يقول الله تعالى عن كتابه في كتابه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [سورة: آل عمران الآية: 7].

وحذرنا من أهل الزيغ والضلال فقال عنهم: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [سورة: الأنعام الآية: 113] وأمرنا أن ندعوه بالثبات على الهدى والوقاية من الزيغ: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [سورة: آل عمران الآية: 8].

وعلمنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن ندعوه سبحانه فقال: (سلوا الله علماً نافعاً و تعوذوا بالله من علم لا ينفع)( ابن ماجه وابن حبان وهو في الصحيحة، عن جابر رضي الله عنه).

وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بوضوح الحق وصفائه، وزيف الباطل وظلامه، وتركنا على الـمَحَجَّةِ البيضاء، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض)( رواه الحاكم وهو في الصحيحة وصحيح الجامع،  عن أبي هريرة رضي الله عنه) ، وحذرنا من الوقوع في فتن الشبهات والشهوات، وأنها ستكون كقطع الليل المظلم، وأن دُعَاةً على أبواب جهنم يدعون الناس إليها.

ومن المحزن ما أصاب المسلمين اليوم في عقولهم وأفكارهم من شبهات وتحريفات ومغالطات، وأقاويل كاذبة، و إشاعات مغرضة، استهدفت تشويه الإسلام ودعاته، لإبعاد المسلمين عن دينهم، ولإحداث فجوة كبيرة، للفصل بينهم وبين علمائهم العاملين والدعاة إلى الله الصابرين، الذين يبذلون حياتهم وأنفسهم، للدفاع عن الإسلام والتصدي لأعدائه، وحماية أمته و إسعادها في دنياها وأخراها.

ولا شك أن هذه الإشكالية تمُثل عقبة كبيرة تؤدي إلى تَعَثُّرِ الأمة، وَتَحُـوْلُ بينها وبين الانطلاق الإيماني و الرِّسالي لهذا الدين، الذي مِنْ أعظم توجيهاته وأهم أسسه، العلم والفقه في الدين، والفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولقد قطعت الصحوة الإسلامية شوطاً كبيراً، وتمكنت من اقتلاع الكثير من المفاهيم الخاطئة، وبناء التصورات والمفاهيم السليمة في العقول.

ومع ذلك ما يزال الأمر بحاجة إلى بذل الكثير من الجهود، للوصول إلى بناء العقلية الإسلامية النظيفة الناضجة المحُصَّنَة ضد الإشاعات والشبهات، والقادرة على التمييز بين الغث والسمين والضار والنافع.

ولذلك لا بد من حصر أَهَمّ مجموعة من المفاهيم الخاطئة، والشبهات الشائعة والدعايات المضللة في مجتمعنا، سواءً فيما يتعلق بالفهم الأعوج لبعض الآيات القرآنية، أو المفاهيم الخاطئة التي تراكمت على العقل المسلم مع مرور قرون الغفلة، أو الشبهات التي روَّج لها الأعداء الغزاة من خلال المخططات اليهودية و الصليبية، وحملات الغزو الفكري بأجنحته المتعددة وذيوله المؤازرة من أبناء جلدتنا سواءً الذين حملوا الأفكار العلمانية، أو فرق الشيعة الرافضة التي استهدفت في عدائها الطعن والتشويه لأصول الإسلام.

ولنحرص على أن تكون الردود معتمدةً على النقل من كتاب الله تعالى والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما النبع المتدفق الذي يروي العليل، والدواء النافع الذي جعله الله تعالى شفاءً من كل سُقم، ونوراً وضياء يزيل عن العقول والقلوب ظلمات الشبهات والشهوات، ويملؤها نوراً ويقيناً، ويسكب عليها الطمأنينة واليقين.

وكثير من هذه الشبهات وغيرها يا أخي المسلم قد قيلت في نبينا صلى الله عليه وسلم وَمَنْ معه، وقيلت في الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأتباعهم من قبل.

وكم سعى الظالمون وأتباعهم في التخويف من أهل الإيمان، و البلبلة و الإرجاف حولهم، ومحاولة تَتَبُّع وتَصَيُّدِ أخطائهم، للتشويه بهم وتـنفير الناس منهم.

وستجد أن القرآن قد عالجها ورد على مفتريها، وأبطلها منذ بدء نزوله.

وحماية لنا من الزيغ والضلال، علمنا الله أن ندعوه في كل ركعة بقوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [سورة: الفاتحة الآية: 6،7] آمين.

وأجاب طلبنا ودعاءنا بعد الفاتحة مباشرة بقوله: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[سورة: البقرة الآية: 1، 2].

وَضَمِنَ لنا الوقاية من الضلال والشقاء إن اتبعنا هُدَاه، فقال جل جلاله: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)[سورة: طه الآية: 123] وجعل كتابه لنا بصائر، فقال سبحانه: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ)[سورة: الأنعام الآية: 104].

والناس صنفان: فمنهم من يريد الحق، ومنهم من يريد الباطل.

فالمريد للحق يؤمن بكل ما أنزل الله من الوحي مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِه، قال سبحانه: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [سورة: آل عمران الآية: 7].

والمريد للباطل هو الذي زاغ قلبه عن الحق، وَاتَّبَعَ المتشابه الغريب، وَتَرَكَ اَلْمُحْكَم الواضح القريب،  ابتغاء الفتنة والتأويل، كما قال سبحانه: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) [سورة: آل عمران الآية: 7].

ثم علمنا بعد هذه الآية أن ندعوه بقوله: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [سورة: آل عمران الآية: 8].

والله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتقوى فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) [سورة: الأحزاب الآية: 1].

وأمر المؤمنين بالتقوى حتى يأتيهم الموت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة: آل عمران الآية: 102].

وأمرهم بالإحسان في عبادته والانقياد لشرعه، وَاتِّباع أحسن ما أنزل إليهم، فقال: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)[سورة: الزمر الآية: 55].

ووصفهم بحبه أشد المحبة، وبخشيته حق الخشية، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) [سورة: البقرة الآية: 165]، وقال: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [سورة: التوبة الآية: 13].

وأخبرهم بأن قبول أعمالهم مرهون بالتقوى فقال:( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [سورة: المائدة الآية: 27].

فما هي المشكلة إذن أمام هذه المعاني والحقائق الناصعة، التي إذا خالفها المسلم وحاد عنها فَقَدَ مِصْداقية إيمانه وحقيقة إسلامه؟

إن المشكلة تتمثل في: وساوس شيطانية، وَحِيَل نفسية، ومغالطات وأوهام كيدية تآمرية لِتمييع جِدَّيَةَ المسئولية، واللاَّمبالاة بالتَّبِعَةِ الفردية والجماعية، وَقَتْل معاني الخير في القلب والوجدان.

وتهميش الإسلام عن طريق الفتاوى المضللة، والبحث عن الرخص، والتمرد على العزائم،

والاِنغماس في التَّرف،  والإسراف في المباحات، مع مواجهة الحقائق الناصعة، والأدلة القاطعة، بالتأويل عند معارضتها لأهواء النفس ورغباتها.

وَمَنْ هذا حَالُهُ قد يدخل فيمن قال الله فيهم: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ)[سورة: البقرة الآية: 87] وفي قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) [سورة: الجاثية الآية: 23].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (رواة النووي بإسناد صحيح في كتاب الحجة والحاكم وأبو النصر في الإبانة -عن عبد الله ابن عمرُ بن العاص).

ولا يكتمل إيمان المسلم إلا بالتسليم التام لشرع الله، والاحتكام لرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[سورة: النساء الآية: 65].

وصلى الله على سيدنا محمد صاحب المِلِّة وعلى آله وصحبه وسلم.

شاهد أيضاً

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *