الرئيسية / بقلم الشيخ / الغاية من الحياة

الغاية من الحياة

الغاية من الحياة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد النبي الأمين، مَنْ أرسله الله رحمة للعالمين، وهداية للحيارى التائهين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعــــد:

فإن موضوع الغاية يكتسب أهمية كُبْرى يُقاس حجمها بهذا الكون كله، فما من ذرة في الأرض، ولا صَدَفَةٍ في البحر، ولا كوكب في السماء، إلا ويحكي قصة الحياة، وسر هذا الوجود: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191].

وقد تكون رحلة هذا الإنسان قصيرة ومحدودة، وَرُبَّمَا تافهة وحقيرة، إلا في حالة واحدة، وهي حين يعيش  الإنسان هذه الحياة وِفْقاً للغاية التي خلقه الله من أجلها، هذا وحده هو الذي يجعل لحياة هذا الإنسان مَعْنىً وقيمة وثمرة، ويجعل للإنسان قدراً ومكانة ورفعة في الدنيا والآخرة، بدون هذا المعنى تفتقد الحياة طعمها ومعناها وفائدتها وثمرتها، فتكون أشبه بالوردة الصناعية، شَكْلُهَا مُغْرٍ، وألوانها زاهية، لكنها في الحقيقة كائن ميت، لا إحساس فيها ولا طعم لها ولا رائحة.

أخي فما هي غايتك في هذه الحياة؟!

لا تُهَوِّن مِنْ قَدْرِ نفسك، ولا تُقَلِّل من شأنها، فأنت غالٍ جِداًّ.

فأسألك: لماذا تعيش في هذه الدنيا؟! لتأكل وتشرب ثم تموت!  هل يُعْقَل هذا؟!

إن هذه الحياة بالنسبة لك؛ الفرصة الوحيدة لتحقيق السعادة والرفعة وَالصُّعُوْد، والتَرَقِّي في درجات العزة والمجد في الدنيا والآخرة.

فهل يُقْدِم عاقل على إضاعة مثل هذه الفرصة؟ وإهدار هذا المكسب العظيم؟

تَأَمَّل حركة الناس صباح كل يوم، وهم يتوجهون إلى أعمالهم وحتى مساء كل يوم، ما هدف وما غاية كل واحد منهم؟ وما علاقة وطبيعة أعمالهم مع الله عزوجل؟ وما مَدَى صلتهم وارتباطهم بمنهج خالقهم؟ وما علاقة كل ذلك بالحياة الآخرة؟!

وهكذا في شأن حياتهم وموتهم.

ولا شك أن لكل إنسان مواهب وقدرات، كما أن لكل إنسان هموم ومخاوف، وطموحات وآمال، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ولابد من الإجابة عليه.

ما هو المرتكز أو المحور الاساسي الذي تنطلق منه وتهدف إليه تلك المواهب والقدرات، وتدور حوله تلك الهموم والمخاوف والآمال؟

إن وجود الغاية التي هي مرتكز الحياة ومحورها أَمْرٌ هَامٌّ جداً، وفي غيابها أونسيانها يختل التوازن الحضاري لدى الفرد والمجتمع والأمة والدولة، فَتُهْدَر الطاقات وتقتل المواهب، وتختفي التطلعات والهموم الحقيقية التي تصاحب العقليات والمجتمعات المتخلفة، وربما أدى ذلك الإختلال إلى العيش على هامش الحياة وخارج دائرة الفاعلية والإيجابية فكثير من الناس يعيش حياته خارج نطاق الغاية التي خلقه الله لأجلها.

يقول أحدهم، تخرجت من المدرسة بمجموع كذا، ثم التحقت بكلية كذا، ثم تخرجت، ثم عملت في المكان الفلاني، وتزوجت، وكسبت من المال ما كسبت، ثم ماذا؟ ما هي النتيجة  بعد ذلك كله؟ ثم أموت!

فهل لحياتي هذه قيمة؟!

ولو أنّـا إذا متنا تُرِكْنا            لكان الموت غاية كل حــيِّ

ولكنّـا إذا متنـا بُعِثْنـا              ليسـأل رَبُّنـا عـن كل شـيِّ

وفلان من الناس؛ يجري وراء المال يصبح ويمسى مهموماً به، ويبذل في جمعه قُصارى جهده.

وآخر يلهث وراء المتع والشهوات، وكلما نال منها شيئاً ازداد لها نَـهَـمَـاً ورغبةً، ثم ما هي النتيجة لذلك كله؟ وما الغاية وما الهدف من وراء هذا؟

ومثل ذلك من جعل همه وطموحه المنصب والجاه، أو الحصول على الشُّهرة والبطولة والنجومية في الملاعب، أو على خشبة المسرح وقاعة السينما وشاشة التلفزيون، وربما تحقق ذلك، فأصبح فلان من الناس ذا منصب وجاه وأمر ونهي، أو نجماً في ملاعب كرة القدم  أو السَّلَّة أو التِّنس، أو بطلاً كما يقال في لعبة الشطرنج، أو في السباحة، أو في ألْعَابِ القُوَى كالقفز والجري وحمل الأثقال، أو في المصارعة وألعاب الجمباز والكاراتيه … وغير ذلك من المهارات والرياضات.

ثم ماذا بعدأن يغادر أحد هؤلاء هذه الحياة الفانية، ويترك كل ذلك وراءه ظِهريا، وينتقل إلى الدار الآخرة الباقية، عبداً فرداً فقيراً مُـجرداً من كل شيء؟!

ما قيمة تلك الألقاب والأوسمة والنياشين، وكؤوس البطولة والنجومية؟

ماذا بقي له من تلك الأضواء والوقوف أمام العدسات، وتصفيق الجماهير، وغير ذلك من الأمور التي جعلها غايته وَكَرَّس لها حياته؟

أما إذا كان قد استغل ذلك للظلم والإختلاس والعبث، وإلهاء الشباب وإفساد الأخلاق وهدم القيم، فإنها الخسارة  التي ما بعدها خسارة.

وفلان من الناس يقضي أكثر يومه وليلته في المقيل، أو في المقهى، وآخر في النادي أو الملعب، وثالث يدور في الأسواق يبحث عن آخر الموديلات والموضات، وآخر…وهكذا.

فما غاية كل واحد من همومه، ومطامعه، ومخاوفه؟ وما هي الحصيلة التي يرجوها كل واحد منهم؟

وما هو الربح الذي يرجوه، والخسارة التي يخشاها؟

ونقول لكل واحد منهم ما هي الثمار التي حَصَدَّتَـهَا من تلك المجهودات؟

هل هي لك أم عليك؟

لا بأس أن تمارس الرياضة، ولكن اجعل ذلك وسيلة لخدمة الحكمة والغاية التى خُلِقْتَ لها، ولتمثل الرياضي المسلم أحسن تمثيل، فتنشر الخير والنور فيمن  حولك، وتخدم وتعمل لغايتك، في بيئتك ومحيطك.

وكذلك يفعل التاجر، والطبيب، والمهندس، والأديب… الخ.

أَجْـمَلُ شيء في الدنيا أن يكون لك غاية.

أنظر ماذا تريد؟

تأمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزول قدما عبد، حتى يُسْأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)(1).

وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم)(2).

مَنْ يرضى لنفسه أن يكون غثاء، أو مع الغثاء الذين يَنْجَرُّوْنَ وراء الغايات التَّائهة، وأصبحوا ضحايا للرايات الجوفاء الخادعة، الذين جهلوا غايتهم ورايتهم التي خُلِقُوا من أجلها، والتي عاش لها وجاهد في سبيلها أجيال المسلمين الأُوَل، وعلى مَدَى أكثر من ألف عام من الزمن.

فإن كنت لا ترضى لنفسك أن تكون في ذلك القطيع التَّائهِ، فَشَمِّرْ في هذه الرحلة إلى ربك، نفعني الله وإياك.

————————————————-

(1) الترمذي، عن أبي برزه رضي الله عنه، وهو في صحيح الجامع والصحيحة للألباني.

(2) الترمذي، عن ابن مسعود رضي عنه، وهو في الصحيحة للألباني.

 

شاهد أيضاً

إذا أردت الآخرة؛ فطلق الدنيا وانقطع للعبادة!

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *